في متجر هارفي نيكولاس بمنطقة نايتسبريدج بالعاصمة البريطانية لندن، لاحظ الموظفون سلوكاً جديداً وغير معتاد بين المتسوقين.
بينما يتجول الزبائن بين مجموعات العلامات التجارية الفاخرة المعروضة بطريقة فنية، يرفع كثيرون هواتفهم الذكية في الهواء، مستخدمين تطبيقا يعرف باسم "شازام" للتعرف على اللحن الموسيقي الذي يصدح به جهاز الموسيقى داخل المحل. أما الزبائن الأقل ألفة بالتكنولوجيا فهم ببساطة يسألون الموظفين عن اللحن الذي يسمعونه.
لكن اللعب على ذلك الوتر الذي يجذب الزبائن لم يأت مصادفةً. ففي الشهور الثمانية عشرة الأخيرة، قام ذلك المتجر العالمي الفاخر بالاستثمار في خدمات تقدمها شركة "ميوزيك كونسيرج"، للاستشارات الموسيقية، وذلك لإعداد قائمة من الألحان المنتقاة.
يقول شادي هاليويل مدير التسويق والإبداع في متجر هارفي نيكولاس "لقد أدركنا أن الزبائن الذين يزورون أي بيئة للشراء يتحولون أكثر فأكثر إلى الإقبال على اكتساب تجربة ما. إن لم ترغب في الحصول على تجربة فما عليك إلا أن تشتري عبر الإنترنت".
ويضيف "من خلال البحث الذي أجريناه عرفنا أنه إذا وفرنا الجو الصحيح بصرياً، ومن حيث الرائحة، ومن حيث الموسيقى، فإن الزبائن يمكثون في المتجر لوقت أطول. وإذا نجحت في زيادة وقت مكوثهم، فإنك بذلك تزيد من المبيعات".
وفي الوقت الذي اعتمدت التجارة ذات يوم على ألحان لا نهاية لها من الموسيقى، أو على نغمات يختارها مدير المتجر، فإن العلامات التجارية الرئيسية الآن تأخذ عملية اختيار الألحان خطوة إلى الأمام، مُسخرةً قوة الموسيقى في تغيير المزاج لدى الزبائن، وبالتالي زيادة الأرباح. ومفتاح ذلك هو تحديد النمط المناسب.
والآن يدفع أصحاب المتاجر، والفنادق، والحانات، والمطاعم، والنوادي الصحية، والنوادي الليلية، وحتى المطورين العقاريين الذين يبيعون مجمعات سكنية، لشركات مثل ميوزيك كونسيرج لاختيار ألحان موسيقية جذابة لتشجيع الزبائن والعملاء على المكوث وقتاً أطول والإنفاق أكثر.
قال وارني، 28 عاماً، وهو من كمبريدج بإنجلترا، وهو يتجول في قسم الأحذية صباح أحد أيام السبت "أحب الموسيقى هنا، المكان ليس مكتظاً، بل تشعر فيه بالاسترخاء. على عكس فروع المتجر في شارع أكسفورد حيث يعلو الصخب، ولا تستطيع أن تسمع نفسك عندما تتكلم، ناهيك عن الحديث مع موظفي المبيعات في المتجر".
الانسجام والتفاعل مع الزبائن:
عندما طلب متجر هارفي نيكولاس من شركة ميوزيك كونسيرج قائمة الألحان التي يقومون ببثها في أرجاء المتجر، لم يكن طلبهم يتعلق بالفئة العمرية تحديداً، بل طلبوا موسيقى تبث روح الفخامة والرفاهية، وهو ما يزيد من وقت البحث الذي يقضيه الزبائن كما يقول هاليويل.
ويضيف "نحن علامة تجارية بريطانية، ومعروفون بدعمنا للمواهب الجديدة في عالم الأزياء والجمال. وبناء على ذلك، أردنا أن تكون قائمة الألحان الموسيقية مليئة بالنجوم الصاعدة لكي نرسخ لدى زبائننا شعور الاستكشاف".
ويقول روب وود، الذي أسس شركة ميوزيك كونسيرج عام 2007، عن تأثير الموسيقى "يمكن لها أن تذكرنا بأشياء، وتجعلنا نشعر بالسعادة، أو الحزن، أو إعمال الفكر، وتجعلنا نقفز إلى أعلى وأسفل كالعفريت الذي يحاول الإفلات". وهذا يجعل الموسيقى أداة قوية في يد الباعة في متاجرهم.
ويواصل روب وود قائلاً "نقول لأصحاب التجارة إذا شغلت الموسيقى في متجرك بطريقة عشوائية فربما يحقق ذلك توليفة من الأشياء السابقة. لكن يمكنك اختيار الموسيقى بطريقة ذكية متلائمة مع العلامة التجارية الخاصة بك".
ويضيف "ومع استحضار طبيعة جمهورك وتجارتك في ذهنك، بإمكانك استخدام ذلك كأداة أخرى من أدوات التسويق، تماماً كعرضك البضاعة بطريقة فنية، أو اختيارك لنوعية وطريقة الإضاءة في المتجر، أو أسلوب وطريقة الخدمة للزبائن".
لعبة نفسية:
يؤيد العلم فكرة إمكانية تأثير الموسيقى على بعض سلوكيات المستهلكين، لكن هل يمكن للموسيقى أن تجعلك تنفق أكثر؟
الجواب بالإيجاب طبقاً لأدريان نورث عميد كلية الأمراض النفسية والكلامية في جامعة كيرتن في أستراليا، والذي بحث في العلاقة بين الموسيقى والسلوك.
فالموسيقى تثير الدماغ من ناحية جسدية، كما يقول، ويضيف شارحاً "إن استخدمت الموسيقى لإثارة الناس وتحفيزهم، فإنهم سيتصرفون بسرعة أكثر، وسيأكلون بشكل أسرع. هناك أبحاث أخرى تشير إلى أن الناس يشربون بسرعة أكبر، أو يتجولون في أرجاء المتجر بشكل أسرع، بينما يكون للموسيقى البطيئة تأثير معاكس".
جميعنا يجلب بعض المضمون للموسيقى، والأمر يتعلق باستعمال ذلك المضمون الموسيقي لتحفيز السلوك. على سبيل المثال، إذا أسمعت الناس موسيقى كلاسيكية، سيشعر الناس أن عليهم الإنفاق على مزيد من المشتريات. لكن إذا أسمعتهم موسيقى الريف، فالأبحاث تشير إلى أن الناس يبدأون بشراء الحاجات الأساسية، أو بالتأكيد لا ينفقون أكثر".
التحفيز :
استنتاجات كهذه ساعدت على تأكيد حاجة السوق للاستشارة الموسيقية. فشركة ميوزيك كونسيرج التي يقع مقرها الرئيسي في هرتفوردشير بانجلترا، وتمتد فروعها من دبي إلى هونغ كونغ وجوهانسبيرغ ومدريد وبريسبان، تبلغ عائداتها السنوية 1.2 مليون جنيه إسترليني (1.74 مليون دولار أمريكي).
وتنتشر قوائم الموسيقى والألحان التي تعدها الشركة في كل مكان في العالم، من فندق كاليردجيز في لندن إلى فندق أبر هاوس بوتيك في هونغ كونغ، إلى مركز تسوق ياس في أبو ظبي، وإلى صالات رجال الأعمال التابعة للخطوط الهولندية (كاثيه باسيفيك).
والاستشارة التي تقدمها الشركة لا تتعلق فقط بتقديم قائمة المقطوعات الموسيقية، ولكن أيضاً مستوى الصوت، وسرعة الإيقاع، وفي أي الأوقات من اليوم يمكن أن تسمع كل مقطوعة بما يناسب غايات المكان، أو المؤسسة المستخدمة لها.
يقول وود "بعض المطاعم ترغب في أن تفرغ الطاولات بسرعة لتجهيزها لزبائن جدد كجزء من أسلوب المطعم في العمل، لذلك ستفكر في موسيقى سريعة الإيقاع. بينما مطاعم أخرى ربما ترغب في تشجيع الزبائن على طلب ثلاثة أو أربعة أصناف من الطعام في الوجبة الواحدة، فستكون الموسيقى البطيئة التي توحي بالاسترخاء هي الاختيار الجيد".
الفنانون الذين يلهمون جمهوراً معينا، يمكن أن يكونوا مثبطين لأنواع أخرى من الجماهير. على سبيل المثال، فإن موسيقى فرقة الروك البريطانية "أركتيك مونكيز" يمكن أن تكون ملائمة بشكل جيد لعلامة باربري التجارية، لكن موسيقى "فيل كولينز" لن تكون ملائمة.
رفع المستوى:
عندما أرادت مجموعة فنادق ومطاعم "دي أند دي لندن ليمتيد" الفاخرة تشجيع الزبائن على زيارة مطعمها في حي المال والأعمال بلندن، لعبت الموسيقى دوراً حيوياً في ذلك.
الإيجاز الذي قدم لشركة ميوزيك كونسيرج كان للتأثير في "كل شخص من الموظفين الشبان الذين يطلبون زجاجة نبيذ إلى مديري صناديق المال الحمائية ممن هم في أواخر الخمسينيات والستينيات من أعمارهم"، كما يقول بول جينكينز، مدير المشتريات في شركة "دي أند دي" لندن.
ويضيف "قمنا بتركيب نظام صوتي جديد، ومقطوعات موسيقية جديدة، إضافة إلى أثاث جديد، ومظلات، وإضاءة مناسبة. ونتيجة لذلك، حصلنا على مردود ممتاز من الأرباح. لا يمكنك إرجاع السبب إلى الموسيقى وحدها، لكنها بالتأكيد عامل مساهم".
ومنذ 2012، تعمل شركة "دي أن دي لندن ليميتيد" مع شركة ميوزيك كونسيرج على تنسيق قائمة منتقاة ومختارة من المقطوعات الموسيقية لأماكن مختلفة في لندن، بما فيها جيرمان جيمنازيوم، وهو مقهى ضخم في منطقة كنجز كروس.
المصدر: BBC
0 comments:
إرسال تعليق