الأحلام ربما تكون تدريبا لمواجهة التهديدات المستقبلية في الحياة الواقعية



تعيد الدراسات الجديدة تغيير مفاهيمنا التي كوناها منذ بداية القرن العشرين عن الأحلام مع فرويد وكارل يونغ وإيريك فروم. فالجميع يعتقد أن الأحلام هي محاكاة شعورية لتجارب حدثت بالفعل في اليقظة وأن لها معان مجازية يجهدون في فك شفرتها، بيد أن الجديد في الموضوع هو أنه ربما تكون أحلامنا تدريبا على مواجهة التهديدات المستقبلية في عالم اليقظة.

ذات مرة، حلمت أنني كنت في جنازة أحد الأشخاص الذي ترك وصية بدفن كل إصبع من أصابع قدميه في تابوت صغير منفصل. وعندما استيقظت، تساءلت "ماذا يمكن أن يعني ذلك الحلم؟"

وفقا لبعض بحوث علم الأعصاب عن الأحلام، مثل تلك التي قام بها الطبيب النفسي في جامعة هارفارد آلان هوبسون، فإن أصابع القدم قد لا تعني شيئا على الإطلاق في الحلم. وفي رأيه، فإن الأحلام هي في الأساس حكايات تُجَمِّعها المناطق الأمامية في المخ البشري من إشارات الدماغ الفوضوية العشوائية التي تنشأ من جذع المخ. وعندما أعود مجددا لهذا الحلم قد أستخلص منه بعض المعاني خاصة بعد معرفة هذه المعلومات ولكن ليس مؤكدا أن هذه الأصابع هي الوسيلة المفضلة لذهني ليقول لي شيئا مهما.

في الواقع، تبدو الأحلام أحيانا غريبة لدرجة أنها تصبح خالية من المعاني، لكن الأحلام الغريبة نادرة نسبيا. ثمانون بالمئة من الأحلام هي عادية جدا كما يقول آتي ريفونسو، عالم الأعصاب الإدراكي في جامعة شفدة السويدية. نحن نعتقد أن الأحلام الغريبة شائعة نسبيا لأنها أكثر الأحلام عرضة للتذكر والحديث عنها. ولكن لا يتفق جميع الباحثين على أن الأحلام عديمة المعنى. ويقول ريفونسو إن السبب الحقيقي وراء لجوئنا للأحلام هو في المقام الأول التدرب على كيفية التعامل مع التهديدات مثل الهرب، والقتال، وهلم جرا.

وتبين أن ممارسة التدريبات العقلية في أكثر من 30 رياضة قد تكون مفيدة مثل ممارسة التدريبات الجسدية. كما بينت دراسة جديدة أن التمرينات الذهنية، على سبيل المثال، لأحد لاعبي الغولف الذي يتصور فيها كيفيات إسقاط الكرة في حفرة قد حسنت من أدائه بنسبة 30 بالمئة مما كانت عليه في المحاولات السابقة لها. وهناك مغزى حول ممارسة النظام الحركي الخاص بك في بيئة داخلية ومثالية تجعل من أدائك أفضل، ولكن إذا مارست التمارين العقلية بشكل أكثر من اللازم فإن احتمالات انعزالك عن الواقع المحيط بك تزداد بشدة. لذلك، ووفقا لريفونسو: الحلم بأن أحدا يطاردك يمكن أن يساعدك في الحياة عندما تكون المطاردة حقيقية، وحتى لو كان الحلم مخيفا فإنه يعد نوعا من التخيل الإيجابي.

دليل آخر على أن الأحلام هي شكل من أشكال محاكاة التهديدات: أنها تميل إلى تمثيل العواطف السلبية، مثل الخوف والغضب لذا فإن الأحلام القلقة أكثر تكرارا وشيوعا من الأحلام السعيدة. والأشياء التي نحلم بها؛ عادة ما تمثل أخطارا كانت تحدث في قديم الزمان عوضا عن أخطار العالم الحديث. كالحلم مثلا بأن حيوانا أو وحشا يطاردنا عوضا عن الحلم بأننا تعرضنا لحادثة احتيال وسرقة لبيانات البطاقة الائتمانية، وذلك رغم أن خبرتنا الحياتية المعاشة تحتوي على أمثلة قليلة من مطاردة الحيوانات أو الوحوش لنا.


صورة الحلم هي بنية أو إبداع موجه شعوريا أكثر من كونها تكرارا أو إعادة للتجربة الشعورية أثناء اليقظة""

هذا الانفصال بين تجربتنا الحياتية ومحتوى أحلامنا يشير بوضوح إلى أن المحتوى يتأثر بعوامل تطورية. ووفقا لريفونسو، فإن الأشياء التي أخافت أسلافنا في العصر الجليدي كثيرا ما يعاد تمثيلها في محتوى أحلامنا الآن.

فهل الأحلام تسببها الضوضاء الحادثة من جذع الدماغ أم أنها مصممة من نوع من أنواع إعادة التمثيل العقلية؟ يمكن أن تكون كلتا النظريتين صحيحتين. لنفترض أن معلومات عشوائية تدخل إلى الدماغ وأن عقولنا تخلق منها قصصا للتدرب على التعامل مع التهديدات المحتملة. العقل قد يتعامل مع المعلومات التي تصله من جذع الدماغ كأنها ممثلون يقومون بالتمثيل في عمل تفاعلي يأخذون فيه اقتراحات عشوائية من الجمهور لتحديث وتحسين العمل وبناء قصته، وليس لأن الإلهام قد يكون عشوائيا فإن القصة الناتجة يجب أن تكون بلا معنى. لقد عملت لأكثر من 15 عاما على خشبة المسرح وأدرك جيدا أنه يمكن خلق مشهد مخيف أو سعيد من أي اقتراحات من الجمهور.

معظم الناس يعتقدون أن أحلامهم لديها نوع من المعاني المجازية، ولكن السؤال عما إذا كانت أحلامهم حقا ذات معنى - تمثل شيئا مهما عن الواقع النفسي - كما يقول دان ج.شتاين، مؤلف كتاب "علم الإدراك واللاوعي"، يظل سؤالا تصعب الإجابة عليه لأننا لا نعرف كيف نثبت علميا أن عنصرا ما في المنام يمثل حقا عنصرا آخر في اليقظة. على سبيل المثال، لنفترض أن شخصا تعرض للضرب في حانة ليلية أثناء معركة مع شخص آخر، وفي الليلة التالية يحلم بأن تمساحا هاجمه، فهل يمثل هذا التمساح المهاجم من الليلة الماضية؟ حاليا ليس لدينا أي تحقيق علمي لتسليط الضوء على هذه القضية.

ومع ذلك فإن بعض البيانات موحية. ففي دراسة أجريت عام 2008، من قبل باحثين في جامعة تافتس للطب، درست عشرة أحلام قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وقورنت بعشرة من أحلام ما بعد الهجمات، فوجد أن أحلام ما بعد 11 سبتمبر تميل إلى تمثيل بيانات عن الهجوم مثل الملاحقة من قبل وحوش أو حيوانات برية. ويقول الباحثون "إن الدراسة لم تجد تغييرا في محتوى محدد للحلم" بيد أن "التغيير الرئيسي والمهم بعد الهجمات كان زيادة في شدة أو قوة المخيلة المركزية للحلم" وهو حقيقة المهاجمة. وخلص الباحثون إلى أن النتائج تنتهي إلى دعم "فكرة أن صورة الحلم هي بنية أو إبداع موجه شعوريا أكثر من كونها تكرارا أو إعادة للتجربة الشعورية أثناء اليقظة"".

ومن الممكن، في مرحلة ما في المستقبل، أن نفهم أن الخيال جيد بما فيه الكفاية لإظهار أن العمليات التي تولد الأحلام تستخدم المخيلة المجازية (الوحوش والحيوانات البرية) مكان المخيلة الواقعية (الطائرات وناطحات السحاب). وفي الوقت الراهن، يبدو أن الأحلام، على الأقل، قد تكون نتاج جهد الدماغ على ترسيخ الذكريات المهمة. فذكريات مثل 11 سبتمبر قد يتم تفتيتها من أجل انتزاع معلومات مهمة، مثل الذكريات المشفرة حديثا والعاطفية، أثناء النوم، وهذه المعلومات "يتم تنشيطها ودمجها في محتوى الحلم"، وذلك وفقا لما جاء في مقال بمجلة "حدود علم النفس"، نشر في مارس/ آذار. ونتيجة لذلك، من خلال تنظيم شظايا الذاكرة هذه، يمكن للأحلام أن تحيي روابط جديدة بين الذكريات. ويقول الباحثون، إن هذا هو ما "يشكل قصة لم نعشها من قبل بل وحتى نستعرض مشاهد لم تحدث في الحياة الحقيقية".

*كاتب المقال جيم ديفيس: أستاذ مشارك في معهد العلوم الإدراكية في جامعة كارلتون في أوتاوا، ومؤلف كتاب "علم لماذا تدفعنا النكات إلى الضحك، والأفلام للبكاء والدين يوحدنا مع الكون".

المصدر: france 24
شاركها في جوجل+

0 comments:

إرسال تعليق