الحيل النفسية الكامنة وراء نجاح لعبة "بوكيمون غو"



نقلا عن BBC:

أثار النجاح الكبير لأحدث لعبة فيديو من شركة نينتدو، وهي لعبة بوكيمون غو، ضجة كبيرة. فما هو السرّ وراء جاذبية تلك اللعبة؟
يقول جون نوريس، رئيس قسم المحتوى بوكالة "روكيتميل" الرقمية في مدينة برايتون البريطانية، متحدثا عن لعبة بوكيمون غو: "كان سبب تحميلي لتلك اللعبة أساساً هو أن كثيراً من أصدقائي في الولايات المتحدة أصبحوا مهووسين بها".
ويضيف: "إنهم أناس بالغون وراشدون تماماً لكنهم بدون شك يخرجون عن أطوارهم ولعاً بها".
إنها من ألعاب الواقع المعزز الجديدة والمخصصة للهواتف المحمولة، ويعصف نجاحها بالعالم أجمع. حققت اللعبة، التي أصحبت متوفرة في الولايات المتحدة ملايين عمليات التنزيل في أقل من أسبوع. ويتيح التطبيق للاعبيه أن يتتبعوا و"يقبضون" على بوكيمون افتراضي يظهر في مكان ما في عالمهم المحيط بهم.
ومع أنها لا تتوفر بشكل رسمي في بريطانيا، استطاع لاعبون متحمسون من أمثال نوريس تثبيت ذلك التطبيق عبر بعض الطرق التقنية الملتوية.
وبالطبع لم يشتهر التطبيق إلا بعد تزايد الجدال والنقاش حوله. وأحد الأسباب هو أن البعض أثاروا شكوكاً حول حقيقة مفادها أن تلك اللعبة تتيح مجالاً واسعاً للحصول على بيانات المستخدمين.
إذ أنها تطلع على تفاصيل البريد الالكتروني، وتواريخ البحث، مروراً بالتعرف على محتويات "غوغل درايف" للتخزين السحابي، وذلك عندما يسمح مستخدمو التطبيق أن تطلع اللعبة على حساباتهم لدى غوغل، وكذلك تلك الموجودة على أجهزة تستعمل نظام تشغيل "آي أو إس".
فأين تكمن قوة جاذبيتها؟ وهل كان من الممكن التكهن بنجاحها؟
اختبارات الإقرار بالنجاح
بحث العالم النفسي أندرو بشيبيلسكي، من "معهد أوكسفورد للإنترنت"، الميزات الأساسية التي تجعل ألعاب الفيديو ناجحة. وتتراوح هذه الميزات ما بين كونها موجهة بالضبط حسب درجة الصعوبة المناسبة للاعبيها بقدر ممارستهم لها وتعاملهم الاجتماعي مع الآخرين.

ويُعتقد أن أحد العوامل المهمة هي "حاجز الإقرار" باستمتاعهم بوقت رائع خلال ممارستها.
على سبيل المثال، من إحدى الصفات الحاسمة للعبة "بوكيمون غو" هي أنها تعتمد على تقنيات يمتلكها الكثيرون ويألفونها بالفعل، وهي هواتفهم الذكية ونظام التموضع العالمي "جي بي إس".
قارن هذا بهواية العثور على المخابئ، على سبيل المثال، وهي هواية تتطلب دراية متطورة بنظام التموضع العالمي (وحتى بمجموعة من الآلات والمعدات).
إن كثيراً من ألعاب الفيديو التي نالت استحساناً منقطع النظير في السابق، بداية من لعبة "الثعبان" إلى لعبة "الطيور الغاضبة"، كان لها نجاح كامل من الناحية التقنية مع أنها كانت جديدة نسبياً ولكن سهلة الاستعمال، حسبما يضيف بشيبيلسكي.
ويوضح بشيبيلسكي، قائلاً: "تعلم الناس بالفعل كيف يستعملون هذه الهواتف، تماماً مثلما يعرفون كيف يستعملون أجسامهم في لعبة ’وي سبورتس‘"، ويضيف: "كان الجهد قد أنجز بالفعل".
يتفق نوريس مع ذلك، قائلاً: "تستطيع أن تشغل نفسك باللعبة بكل سهولة".
العامل الآخر هو الحنين إلى الماضي. بينما نجد أن نوريس هو أحد الأشخاص الذين لم يلعبوا مطلقاً أياً من ألعاب بوكيمون، فإن العديدين من معجبي لعبة بوكيمون غو اشتاقوا إلى ذكريات عناوين بعض تلك الألعاب التي تعود إلى عام 1996، عندما طُرحت النسخة الأولى من تلك اللعبة في الأسواق.
كما أن حقيقة تداول الناس للعبة البوكيمون بهذا الشكل غير المعتاد مرة أخرى، أحيا الذكريات لدى معجبي اللعبة من كبار السن.

لكن بالنسبة لبشيبيلسكي، إذا أرادت لعبة ما أن تستعمل الحنين إلى الماضي كجزء من جاذبيتها فيتوجب عليها أن تفي بوعدها أيضاً بتوفير التسلية وكل ما هو جديد. ويبدو مؤكداً أن لعبة "بوكيمون غو"، على الأقل، حققت هذا الشيء بالنسبة للبعض.
ويتابع بالقول: "الوسيلة الوحيدة لتوفير التسلية واللهو هو أن يشعر اللاعبون بالثقة، ويشعروا باستكشافهم لشيء ما، ويتواصلوا اجتماعياً مع بعضهم البعض. ويبدو أن تلك اللعبة كانت موفقة من هذه الجوانب الثلاثة المهمة".
في الواقع، يشير نوريس على الفور إلى فائدة غير متوقعة عند التجوال في مدينة برايتون وأنت تحمل بيدك لعبة "بوكيمون غو".
ويقول نوريس: "جميع الأماكن الخاصة بـ ’محطات بوكي‘ (حيث يلتقط اللاعبون مواداً مذكورة في اللعبة) هي ذات علاقة بأقسام متفرقة من فنون الشوارع في برايتون"، حسب تعليقه.
ويضيف: "في الحقيقة، إنها أرتني بعضا من هذه الفنون مما لم أره من قبل".
لقد حوّلت تلك الخصائص لعبة "بوكيمون غو" إلى ظاهرة غريبة عملت على إعطاء اللعبة بعداً آخر للنجاح، ربما أكثر أهمية؛ وهي أنها مكسب ممتاز لوسائل التواصل الاجتماعي.
في عام 2013، نوّه الكاتب ومقدم البرامج التلفزيونية البريطاني تشارلي برووكر إلى أن تويتر أحد أفضل 25 "لعبة فيديو" لديه من بين الألعاب التي غيّرت العالم. لكن كيف يمكن أن يكون موقع تويتر لعبة فيديو؟
بحسب منطق برووكر، إنها واجهة المستخدم الرسومية، ونظامها التنافسي المعتمد على النقاط (أي عدد المتابعين أو المعجبين، على سبيل المثال). إن فكرة أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مجرد لعبة، أو إمكان ممارستها كلعبة، هي فكرة غريبة، لكن عند أخذ تطبيق مثل "بوكيمون غو" بعين الاعتبار، فإن ذلك قد يبدو معقولاً.
ويبدو أن جزءاً من جاذبية اللعبة، سواء قصد صانعوها ذلك أم لا، هي فرصة توحيد المعلومات ومشاركة ما يمر به الشخص على مواقع مثل ريديت، وسناب شات، وإمجور.
لذا، فإن "بوكيمون غو" تُلعب ليس فقط ضمن التطبيق الرسمي، ولكن أيضاً عبر قنوات التواصل الاجتماعي هذه.
وقد بدأ علماء النفس في إدراك وفهم السبب الذي يجعل مواقع التواصل الاجتماعي مسلية إلى هذا الحد، وإحدى الأوجه التي تنال اهتماماً خاصاً هي فرصة ابتكار صناعة وتجريب أحاسيس الإنسان عن ذاته.

ونحن نقوم بذلك بعيداً عن مواقع الانترنت أيضاً، ولكن تتاح أمامنا على الانترنت احتمالات مختلفة، ومكافآت مرتقبة مختلفة، مثل أصدقاء جدد، أو تزايد مستويات ردود الفعل على الشبكات الاجتماعية.
اللافت للنظر أنه تحكى العديد من القصص على مواقع الإنترنت عن لاعبي "بوكيمون غو"، ممن يلتقون صدفة ببعضهم البعض خلال ممارسة اللعبة، وبالتالي من الواضح أن اللعبة تشجع على عملية التفاعل الاجتماعي؛ سواء عن طريق الشبكة العنكبوتية، أو وجهاً لوجه، وهو أمر غير اعتيادي.
أي أن "بوكيمون غو" قد تكون اللعبة المثالية لعصر وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن مستعدون لها، كما يجادل بشيبيلسكي. وحسبما يلمح أيضا، فإن استعمال منصات التواصل الاجتماعي هيأتنا للمرور بهذا النوع من الخبرات والتجارب.
يقول بشيبيلسكي: "إن الزمن المعاصر درب الناس لكي يلعبوا ’بوكيمون غو‘".
في الحقيقة، يبدو مؤكداً أن الطريقة التي تُلعب بها تلك اللعبة، والطريقة التي يُحكى عنها على الانترنت استولتا على جوهر شعار مارك زوكربيرغ بأنه ينبغي على وسائل التواصل الاجتماعي تفعيل "المشاركة بدون مشاحنات"، أي التعليقات والنشاطات التي تحصل طبيعياً وانسيابياً وتلبي مباشرة احتياجات ورغبات المشاركين.
وبالطبع ليس واضحاً كم ستطول فترة استعباد لاعبي البوكيمون غو. فاللعبة لا زالت جديدة. ولكن، كما يحصل مع كل النجاحات التي تحصل بين ليلة وضحاها، فهي ظاهرة أخرى تمكنت من الاستفادة من رغبات أساسية يتقاسهما أشخاص عديدون.
ومع القيام بهذا، ربما تكون "بوكيمون غو" قد كشفت شيئاً أكثر يتعلق بما يحفز الناس ويحركهم. وسواء كنت تستمتع بممارسة ألعاب الفيديو أم لا، فذلك بالتأكيد أمرٌ يستحق التأمل.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future

شاركها في جوجل+

0 comments:

إرسال تعليق